الصديقُ في طليعةِ الأمةِ حاملًا مشعلَ الإيمان دون ترددٍ أو ارتياب، ضاربًا أروعَ الأمثلةِ في التصديق واليقين فحين بلغه خبرُ الإسراءِ والمعراج لم يمنعه من التصديقِ إلا التوثق من صحة نسبته للرسولِ صلى الله عليه وسلم ((والله لئن كان قاله لقد صدق، وما يعجبكم من ذلك؟ فو الله إنه ليخبرني أن الخبرَ يأتيه من السماءِ إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار، فهذا أبعد مما تعجبون منه))، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألُه عن وصفِه، وكلما ذكر شيئًا قال: صدقت، أشهد أنك رسولُ الله، فقال صلى الله عليه وسلم وأنت يا أبا بكر الصديق، فيومئذٍ سماه الصديق (١).
إنه الصديقُ لم يسبق الأمة بكثير صومٍ ولا صلاة، ولكن بشيءٍ وقر في قلبه، فأثمرَ الإيمان واليقين- واستحق به فضلَ الصحبةِ والقرب من النبيِّ الكريم، عرف ذلك له المسلمون، وأفصح عنها الرسولُ صلى الله عليه وسلم:((لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا)).
ألا ما أحوجنا إلى إيمانٍ كإيمان أبي بكر يحمينا به اللهُ من الشكوكِ والارتياب ويدفعنا إلى عمل الصالحات بأنفس راضيةٍ مطمئنة.
وحين نذكر هذا الموقف الكريم للصديق فلا ينبغي أن يغيب عنا موقفُ الملأ من قريش، حين اتخذت من حادثةِ الإسراء والمعراج فرصةً للسخريةِ والاستهزاء، والسعي لصدِّ الناسِ وفتنتهم عن دين الله، وهو نموذج يتكرر مع كلِّ مستكبر أثيم، يسمع آيات الله تتلى عليه، ثم يصر مستكبرًا كأن لم يسمَعها .. وإذا طويت صفحةُ المستهزئين وجعل اللهُ العاقبةَ للمتقين فينبغي أن يكون ذلك تسريةً وتسليةً للمؤمنينَ في كل زمان ومكان، فلا يضيقوا ذرعًا بالمستهزئين الساخرين ولا يزيدهم ذلك إلا
(١) ابن هشام ١/ ٣٩٩، والحاكم في مستدركه ٣/ ٦٢، معين السيرة ص ١١١.