لكثرةِ الفتنِ والمضايقات الواقعة لهم في دينهم، ففي أرض الله الواسعة الأخرى متسعٌ لتغير الحال وسعةِ الرزق وهدوء البال .. كذا وجه القرآنُ وهو يهدي للتي هي أقوم، ويقول تعالى:{ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما}(١).
إن هذه الآية الكريمة نزلت أول ما نزلت تحكي واقعَ العصبة الأولى في الإسلام- أولئك الذين ضيق عليهم المشركون في دينهم وحاصروهم في عيشهم .. فهاجر من هاجر منهم وبقي صابرًا محتسبًا من بقي منهم .. حتى أذن الله بالفرجِ وانتصر المسلمون، وشعّت أنوار الإسلامِ في كلِّ مكان ترى أيَّ شعورٍ كان يُخامر أفئدةَ المسلمين الذين هاجروا إلى أرض الحبشة فرارًا بدينهم، وكيف كان تفكيرُهم بمستقبلِ الإسلام وهم في أوج ظروف المحنة للإسلام والمسلمين؟ وتجيب الرواياتُ التاريخيةُ التي تحكي حالهم وحوارَهم وهم في أرض الغربة عن كلِّ معاني الثباتِ والثقةِ بالنصرِ إن عاجلًا أو آجلًا وقد كان .. وأكرمهم اللهُ برؤية الانتصار للدين الحقِّ وأفولِ نجمِ الباطل وهلاكِ المبطلين.
وتبلغ العظمةُ والثقةُ بنصرة الدين ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم يذهب الطائف ملتمسًا النصرة من أهلها ومؤملًا استجابتها للدعوة التي أنكرها جيرانُهم .. فيكون الصدود والإعراض .. بل والمطاردة إلى حدٍّ أدميت عقبا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم .. حتى إذا عاد وكان قريبًا من مكة أرسل إليه ملكُ الجبال وعَرض عليه أن يُطبق على المكذبين المعاندين الأخشبين .. فلا يبقى لهم أثر فتكون الإجابة الواثقةُ بنصر الله من منظور متفائل يرى أسبابَ النصر من خلال سُحب الإيذاء وأنواع البلاء .. ويترقب