للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناسِ لا يعرفون قدرَ التوبةِ ولا حقيقتَها فضلًا عن القيام بها عملًا وحالًا .. ولولا أن التوبةَ اسمٌ جامعٌ لشرائع الإسلامِ وحقائقِ الإيمان لم يكن الربُّ تبارك وتعالى يفرح بتوبةِ عبده ذلك الفرحَ العظيم فجميعُ ما يتكلم فيه الناسُ من المقاماتِ والأحوال هو تفاصيلُ التوبةِ وآثارُها (١).

أيها المسلمون! إذا كان هذا معنى التوبةِ وقدرِها، فاعلم أن التوبةَ محفوفةٌ بتوبةٍ من الله على العبد قبلها، وتوبةٍ منه بعدها، فتوبته بين توبتين من ربِّه سابقةٍ ولاحقةٍ، فإنه تاب عليه أولًا إذنًا وتوفيقًا وإلهامًا، فتاب العبدُ فتاب اللهُ عليه قبولًا وإثابةً وتأملوا قولَ الله سبحانه: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} (٢).

فأخبر سبحانه أن توبَته عليهم سبقت توبتُهم، وإنها هي التي جعلتهم تائبين فكانت سببًا مقتضيًا لتوبتهم، فدل على أنهم ما تابوا حتى تابَ اللهُ عليهم، والحكمُ ينتفي لانتفاء علته (٣).

فبادر إلى التوبةِ بمفهومِها الشاملِ- يا أخا الإيمان- عاجلًا، واسأل الله أن يوفقَك إليها ابتداءً وأن يقبلها منك ويُثيبَك عليها انتهاءً والزم الاستغفار، وهو غيرُ التوبةِ، إذا ورد في موضع واحد فالاستغفارُ طلبُ وقاية شرِّ ما مضى، والتوبةُ الرجوعُ وطلبُ وقاية شرِّ ما يخافه في المستقبل من سيئاتِ أعماله، والاستغفارُ من باب إزالة الضرر، والتوبةُ طلبِ جلبِ المنفعة، ولهذا جاء الأمرُ بها مرتبًا بقوله:


(١) ابن القيم، مدارج السالكين ١/ ٣٣١ - ٣٣٣ باختصار.
(٢) سورة التوبة، الآيتان: ١١٨، ١١٧.
(٣) المدارج ١/ ٣٣٩، ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>