للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} فإنه الرجوعُ إلى طريقِ الحقِّ بعد مفارقةِ الباطل (١).

أيها المسلمون! مداواةُ القلوبِ بهذه الأدوية الناجعة لا يتوقف على رمضان. فمصيبةٌ أن يفئ المسلمون إلى ربهم في رمضان ويظلوا شاردين عن هداه في سائر العام، مصيبة عظمى أن يقصرَ المسلمُ إجابته لداعي القرآن في شهر رمضان يظل هاجرًا للقرآنِ طوال العام.

إن التوبة إلى الله إن فضلت في زمانٍ دون زمان فهي باقيةٌ صمامَ الأمانِ لمن ابتغى الأمنَ ورضا الرحمن، ولستَ تدري يا أخا الإيمان متى يحينُ الرحيلُ فتنتقلُ من دار الفناءِ إلى دار المقام.

وإن الإنابة إلى الله ليست محدودةً بزمانٍ ولا مكان، بل دُعيت إليها قبل حلولِ العذاب، وحينها يعزُّ الناصرُ وتنتهي فترةُ الإمهال، وإذا أنبتَ بها صادقًا فأظهر من الذلِ والافتقارِ بين يديه ما يشهد بعبوديتك للواحدِ الديان، يُحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلتُ على اللهِ من أبوابِ الطاعاتِ كلها، فما دخلتُ من باب إلا رأيتُ عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخولِ حتى جئتُ بابَ الذلِّ والافتقار، فإذا هو أقرب بابٍ إليه وأوسعُه فلا مزاحمَ فيه ولا معوّق.

وكان شيخ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله يقول: ((من أرادَ السعادةَ الأبديةَ فليلزم عتبة العبودية)) (٢).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى


(١) السابق ١/ ٣٣٥.
(٢) مدارج السالكين ١/ ٤٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>