للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القرطبي رحمه الله: ((فإن كرهتموهن أي لدمامةٍ أو سوءِ خلقٍ من غيرِ ارتكابِ فاحشةٍ أو نشوز، فهذا يُندب فيه إلى الاحتمال فعسى أن يؤول الأمرُ إلى أن يرزق اللهُ منها أولادًا صالحين)) (١).

وقال مكحولٌ: سمعتُ ابنَ عمر (رضي الله عنهما) يقول: إن الرجلَ ليستخيرُ الله تعالى فيُخارُ له، فيسخطُ على ربِّه عز وجل فلا يلبث أن ينظر في العاقبةِ، فإذا هو قد خير له (٢).

وعقدُ الزوجية في الإسلامِ أكبرُ من النزوات العاطفية، وأجلُّ من ضغطِ الميلِ الحيواني المسعور، ولا يليقُ أن تعصفَ به الأمزجةُ الطارئة، فيتخلى الزوجُ عن زوجتهِ لمجرد خُلُقٍ كرهه منها، أو ناحيةٍ من نواحي الجمال افتقدها فيها، فعساه أن يجدَ أخلاقًا أخرى يرضاها، ولن يُعدم نوعًا من الجمالِ يتوفرُ فيها، وإلى هذا يرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ينهى عن استدامةِ البغضِ الكلى للمرأة ويقول: ((لا يفركْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر)) (٣).

والمعنى: لا يبغضها بُغضًا كليًّا يحمله على فراقِها، بل يغفر سيئتها لحسنتِها، ويتغاضى عما يكره لما يُحب (٤).

أيها المسلمون! إذا كان هذا منطقَ الشّرع، فمنطقُ العقلِ يقول: إن الواقعَ يشهدُ بالعواقبِ الحميدةِ لأسرٍ تجاوزت الخلافاتِ في بدايةِ حياتِها، وتغلبت على المكارِه والمصاعبِ أولَ نشأتِها، ومن يتقِ اللهَ يجعل له مخرجًا، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل اللهُ فيه خيرًا كثيرًا.


(١) تفسير القرطبي ٥/ ٩٨.
(٢) رواه مسلم ح ١٤٦٩.
(٣) ذكره القرطبي في التفسير ٥/ ٩٨.
(٤) تفسير ابن كثير ٣/ ٧٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>