للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاء الله أن تكون حياته قصيرةً نوعًا ما، ولكنها مليئة بالجهاد والدعوة، وختامُها مسك، إذ كان في غزوة أحدٍ في طليعة الشهداء.

كان يوم أن دخل في دين الله صعيرًا في سنه، ولكنه كبير في عقله، ارتضى الإسلام دينًا، وتبع محمدًا صلى الله عليه وسلم مقتنعًا، وصبر في سبيل ذلك على الأذى من أقرب الناس إليه، قال ابن عبد البر: أسلم مصعب بن عمير قديمًا، والنبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفًا من أمه، فعلم به عثمان بن طلحة فأعلم أهله، فأوثقوه، فلم يزل محبوسًا إلى أن خرج مع من هاجر إلى الحبشة (١).

صاغه الإسلام مجاهدًا صادقًا، ومهاجرًا دائمًا شغله في الجاهلية حسنُ الهندام، ونوع الحذاء، وأجود أنواع الطيب، وليس وراء ذلك هدفٌ إلا استكمال نضارة الشباب، والمفاخرة بأنواع الثياب والعطر. كان يوصف- قبل الإسلام- فيقال عنه: ما رؤي بمكة أحسنَ لمةً ولا أرق حُلةً، ولا أنعم نعمةً من مصعب بن عمير (٢).

فجاء الإسلام ليرفع من همته .. ويتعالى بطموحاته واهتمامه واستطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن يستثمر طاقة الشباب فيه، وأن يوجه قدراته إلى حيث ينبغي أن توجه طاقات الشباب.

لقد وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكان أول من هاجر إليها، وذلك

بعد أن قابل النبي صلى الله عليه وسلم بعض رجالات المدينة في العقبة، وطلبوا منه أن يبعث إليهم من يعلمهم الإسلام ويُقرءوهم القرآن .. فوقع الاختيار على مصعب بن عمير رضي الله عنه .. وكان رجل المهمة .. والغيث - بإذن الله- لأهل المدينة .. فتح الله عليه فيها ما ينوء


(١) الاستيعاب بهامش الإصابة ١٠/ ٢٥٢.
(٢) المصدر السابق ١٠/ ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>