للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحمله الرجال، ولم يكن سلاحه الخيلَ والسيف- بل فتح الله عليه ما فتح .. وأسلم على يديه من أسلم بما معه من القرآن وهدي محمد عليه الصلاة والسلام، وبما وقر في قلبه من إيمان، وهمِّ لهذا الدين وأهل المدينة يعترفون له بالفضل. ويقرون له بالجهاد والصدق في الدعوة .. كيف لا؟ ولم يبق دار من دورهم إلا ودخل فيها الإسلام؟

هنيئًا لك يا مصعب بن عمير ما رأيت من ثمار الدعوة في حياتك، وحق لأهل المدينة أن يجلوك ويذكروك بالخير وإن لم ينصبوا لك ما يُخلد ذكراك .. فذاكرة التاريخ عبرَ القرون والأجيال .. والمسطور في الكتب قديمًا وحديثًا .. أعمق وأولى بالخلود من شكليات قد يراها جيل وتغيب عن أجيال أخرى.

وأعظم من ذلك كله عظيم الجزاء عند الله- ورفعه الدرجات يوم يقوم الأشهاد- وأرواح الشهداء في حواصل طير تحوم بهم في الجنة .. {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (١).

إخوة الإسلام! مصعب بن عمير رضي الله عنه .. ممن هانت عليه نفسه في سبيل الله، هاجر وجاهد في أيام الإسلام الأولى. حتى إذا استقر أمر الإسلام وأينعت الثمار للمسلمين .. كان مصعب قد رحل عن هذه الدنيا، فلم ينقص أجره شيئًا.

حدّث خباب بن الأرت عن مصعب رضي الله عنهما فقال: «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لسبيله لم يأكل مِن أجره شيئا، منهم: مصعب بن عمير قُتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرةَ، كنا إذا غطينا


(١) سورة آل عمران، الآيتان: ١٦٩، ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>