النور ولا يُنال ذلك براحةِ الجسد، ودونك نموذجًا لجهوده في سبيل الدعوة، وصبره على ما يلقاه من العنت والأذى في سبيلها، فقد روى أهل السير- بسند ليس سليمًا من الضعف- أن منزل مصعب في المدينة كان على أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وكان له نعم العون في دعوة أهل المدينة .. وذات يوم خرج بمصعب يريد به دار بني عبد الأشهل وأسيد بن حضير، وسعد بن معاذ- سيدا بني عبد الأشهل، فقال سعدُ بن معاذ لأسيد بن حضير، لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين -أسعد بن زرارة، ومصعب- اللذين قد أتيا ديارنا يُسفها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما، فلولا أن سعدًا مني حيث قد علمت- وكان ابن خالته- لكفيتك ذلك، فأخذ أسيد حربته، ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعدُ بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشمتًا وهو يقول: ما جاء بكما إلينا تُسفهان ضعفاءنا، اعتزلانا إن كانت بكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كُفَّ عنك ما تكره؟ قال أسيد: أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، ثم عرفا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، فرق قلبه وحسن منطقه ثم سأل عن كيفية الدخول في الإسلام فعلماه فأسلم.
ثم انصرف إلى صاحبه سعد بن معاذ، ورغب إليه أن يسمع منهما كما سمع ولم يشعره بإسلامه .. بل هيَّج سعدًا على الانتصار لابن خالته أسعد، فقام إليهما مغضبًا، فلما وصل إليهما عرف أنها حيلة من أسيد لكي يصل إليهما- فكلماه بالإسلام، وتلا عليه مصعب القرآن بمثل ما صنعوا مع صاحبه فدخل هو الآخر في دين الله- بل كانا فتحًا لقومهما، وهذا سعدُ بن معاذ- بعد أن أسلم- يأتي إلى قومه