للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} (١) وفي الحديث من صفات المنافق ((وإذا عاهد غدر)).

إخوة الإسلام! لابد من الوفاء بالعهود مع البرِّ والفاجر، ولقد كان الوفاء بالعهود والعقود خُلُقًا كريما من أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم. عرفه له العدو والصديق والتزم هو به مع المسلمين والكفار .. وما وفاؤه صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية إلا نموذج للوفاء مع غير المسلمين .. فما الظنّ بوفائه مع المسلمين.

ولقد تعلم أصحابه منه الوفاء. والتزموه في حياتهم ومع غير أبناء ملتهم، فهذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يحدثنا عن عدم شهوده بدرًا ويقول: ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي، فأخذنا كفارُ قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا العهد علينا لننصرفنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)) (٢).

ولذا فلا بد للمسلم إذا أبرم عقدًا أن يحترمه، وإذا أعطى عهدًا أن يلتزم به، وقد قيل. إن الوفاء بالعهد يحتاج إلى عنصرين إذا اكتملا في النفس سهُل عليها أن تنجز ما التزمت به: الذكر الدائم للعهد، والعزيمة المتجددة على الوفاء به، أما ضعف الذاكرة وضعف العزيمة فهما عائقان كثيفان عن الوفاء بالواجب. قال تعالى في قصة أكل آدم عليه السلام من الشجرة: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما} (٣).


(١) سورة التوبة، الآيات: ٧٥ - ٧٧.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه في الجهاد: باب الوفاء بالعهد ح ١٧٧٨، وأخرجه أحمد والحاكم في مستدركه ٣/ ٣٧٩، سير أعلام النبلاء ٢/ ٢٦٤.
(٣) سورة طه، الآية ١١٥. (الغزالي: خلق المسلم ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>