للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلمون! العهود التي يرتبط بها المسلم درجات وأعلاها وأهمها العهد الذي بين العبد وربِّه، فإن هذا إذا صلح فهو كفيل بإصلاح ما بعده، من عهود بينه وبين نفسه، أو بينه وبين الخلق من حوله، إن العبودية الحقة لله ربِّ العالمين هي أساس العهد، ولا يحصل النقض في العهود إلا نتيجة ميل الإنسان لهواه، أو طاعته للشيطان.

والله تعالى يذكرنا بهذا العهد في قوله تعالى: {ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} (١).

والعبودية الحقة تعني الطاعة والتسليم والرضى بما أمر الله أو عنه نهى، وهل تخرج العهود عن هذه؟

ومن الوفاء بالعهد مع النفس أن يظل المرء يتذكر ماضيه الذاهب لينتفع به في حاضره ومستقبله، فإن كان معسرًا فأغناه الله، أو مريضًا فشفاه الله، أو ضعيفًا فقواه الله، فليس يسوغ له أن يفصل بين أمسه ويومه وغده بسورٍ غليظ، فينسى الماضي ويستقبل الحاضر والمستقبل بمسلك الفظاظة والجحود، ولربما كان وهو في أحوال الضعف والبؤس يتمنى زوالها، ويأخذ على نفسه العهود على التزام الشكر والذكر والإحسان لو تغيرت الأحوال وتحسنت الأوضاع، ودونكم نموذجًا للوفاء وعكسه مع النفس في قصة الثلاثة الذين ابتلاهم الله بالبرص والقرع والعمى، فبعث إليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أيُّ شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن ويذهب عنِي الذي قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونًا وجلدًا حسنًا، فقال أيّ المال أحب إليك؟ قال: الإبل، فأعطاه ناقة


(١) سورة يس، الآيتان: ٦٠، ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>