للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما شاعر الأندلس ابن عمار المهْري فيذكر أنه مدح فلاحًا فأعطاه مخلاة شعير لحماره، فلما آل بابن عمارٍ الحال إلى الإمرة ملأ للفلاح مخلاته دراهم وقالط: لو ملأها برًّا لملأناها تبرًا (١).

أيها المؤمنون! تطيب الحياة ويسعد الأحياء مع الوفاء، ويبين حجم الوفاء عن معدن الرجال .. وإذا كان الوفاء مطلبًا في كلِّ الأحوال فهو يطيب في ظروف المحن والشدائد حين يتنكر الناس، ويبلغ الضعف والهوان مبلغهما ويقل الناصر ويندر المعين وهنا يسود في المجتمع أصحاب الجود والإقدام، حين يبخل الآخرون ويتراجعون:

لولا المشقة ساد الناس كلُّهم ... الجود يفقر والإقدام قتال

عباد الله! حين يأمر الله بالوفاء بالعهد يبين الآثار السيئة المترتبة عليه فيقول تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون} (٢).

قيل في آثار الغدر أنه ينزع الثقة، ويثير الفوضى، ويمزق الأواصر، ويرد الأقوياء ضعفاء واهنين، ويصد عن الدخول في الدين، والدِّين الحق يكره أن تُداس الفضائل في سوق المنفعة العاجلة، كما يكره أنه تنطوي دخائل الناس على نوع من النيات المغشوشة، ويوجب الشرف على الفرد والجماعة حتى تصان العقود على الفقر والغنى، وعلى النصر والهزيمة.


(١) تهذيب سير أعلام النبلاء ٣/ ١٣٢١.
(٢) سورة النحل، الآيتان: ٩١، ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>