للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين هؤلاء من قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} (١)، والخطاب بهذه الآية- كما يقول القرطبي يرحمه الله- يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا: القمار، والخداع، والمغصوب، وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، وما حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي، وحُلوان الكاهن، وأثمان الخمور والخنازير، وغير ذلك (٢).

أيها المسلمون .. من الفهوم الخاطئة في المعاملات والحقوق الآدمية ظنُّ بعض الناس أن حكم القاضي له على خصمه يُصيِّر الحرام حلالًا، والباطل حقًّا، وليس الأمر كذلك.

قال العلماء: ومن الأكل بالباطل أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل، فالحرام لا يصير حلالًا بقضاء القاضي؛ لأنه يقضي بالظاهر، فقد يكون أحدُ الخصمين ألحن بحجته من الآخر، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحذر من هذا المسلك الخطر ويقول: ((إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار) وفي رواية: ((فليحملها أو يذرها)). قال القرطبي: وعلى القول بهذا الحديث جمهور العلماء، وأئمة الفقهاء (٣).

عباد الله! أين المتأكلون للأموال بالباطل من قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا


(١) سورة البقرة، الآية: ١٨٨.
(٢) تفسير القرطبي ٢/ ٣٣٨
(٣) المرجع السابق ٢/ ٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>