للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي البخاري -أيضًا- وغيره عن الرُّبيع بنت معوذ قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليَّ غداة بني بي، فجلس على فراشي وجويرات لنا يضربن بدفوفهن ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إلى أن قالت إحداهن ((وفينا نبي يعلمُ ما في غدٍ)) فقال لها: ((اسكتي عن هذه، وقولي الذي كنت تقولين قبلها)).

وروى النسائي بسند حسن عن عامر بن سعدٍ رضي الله عنه أنه قال: دخلت على قرضة بن كعب، وأبي بن مسعود الأنصاري في عُرس، وإذا جوارٍ تُغنين فقلت: أيَّ صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر يُفعل هذا عندكم؟ فقالا: اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت فاذهب، فإنه قد رُخص لنا في اللهو عند العُرس)) (١).

ولكن الملاحظ هنا أن إشهار الزواج إنما هو بالدُّف، وأن اللائي يُغنين جوارٍ صغيرات، ثم هن إماء ليس فيهن عورة، أما الذي نسمعه هذه الأيام فشيء عجيب (والإسراف فيه ظاهر) توضع مكبرات الصوت، ويؤتى بالمطربات أو بالمغنيات ومعهن الطبول والمزامير والعود وتدفع لهن المبالغ، وإذا تعبت أو بُح صوتها فإلى جانبها آلة التسجيل تفتحها وتضعُ الموسيقى والأغاني الماجنة، وقد حرم الله لهو الحديث، كما في قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم} (٢). والأحاديث في تحريم الغناء معلومة -وليس هذا موضع بسطها-.

ومن هنا يتبين لك وسطية الإسلام في اللهو المباح في العُرس، بين المانعين لكل شيء، والمسرفين في كل شيء؟ ! .


(١) د. صالح السلطان: في صالة الأفراح ص: ١٢.
(٢) سورة لقمان، الآيتان: ٦، ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>