للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الغفلة والحرمان وسبيل فناء الأمم أن يألف شباب أصحاء النوم حتى الضُحى، تطلع عليهم الشمس وتتوسط كبد السماء وهم يغطون في نوم عميق، قد بال الشيطان في آذانهم، وإذا قام أحدهم فإذا هو ثقيل النفس، خبيث النفس، هزيل القوى، كسلان، على حين تطلع الشمس على قوم آخرين من غير أهل الإسلام وهم منهمكون في وسائل معاشهم وتدبير شئونهم وسنن الله تأبى إلا أن يُعطى كلُّ امرئ حسب استعداده وعمله وجدِّه. والسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة (١).

أيها الشاب! لا يستوي منكم من حفظ وقته، واستفاد من سني عمره، وقدَّر الشباب حقَّ قدره، فجدَّ واجتهد وسارع للعلياء بهمة ودأب .. ومن فرّط وسوّف وظن أن المستقبل سيكون أكثر فراغًا من الحاضر، فما هذا إلا وهم وسراب، والواقع يشهد أنه كلما كبُرت سِنُّ المرء كثرت مسئولياته وضاقت أوقاته، وضعفت طاقاته، فالوقت في الكِبَر أضيق، والجسم فيه أضعف، والصحة هزيلة، والنشاط كليل. فبادروا ساعتكم واستثمروا شبابكم، ولا تهدروا طاقتكم وإياكم والتعلق بالغائب المجهول، وما التسويف إلا تفويتٌ للحق، وخسران لليوم، وتضييع للغد.

معاشر الشباب! لن يُحسَّ بالفراغ، أو يشعر بطول الوقت وثقل الأيام من كان على وقته حريصًا ولآخرته ساعيًا وفي دنياه عاملًا .. ولقد كان السلف الصالحون يمقتون المرء لا هو في عمل للآخرة ولا شغل للدنيا.

ألا وإن الأعمال التي يمكن أن يستثمر الشابُّ فيها وقته على الدوام -وفي أيام الإجازة خصوصًا- كثيرة متنوعة، وأذكر بشيء منها على سبيل التنبيه لا الحصر.

فكتابُ الله خير ما قضيت به الأوقات، واستنفدت له الأعمار حفظًا،


(١) ابن حميد، المرجع السابق ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>