للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عملهم بلا علم فهم يجتهدون في أصناف العبادات بلا شريعة من الله، ويقولون على الله ما لا يعلمون.

أيها المسلم! هذان الصنفان لأصحاب الجحيم نموذجان للبعد عن الصراط المستقيم، وسلوكهما يؤدي إلى سلوك السُّبل المعوجة، أعني: عدم العمل بما يُعلم، أو العمل دون علم بما يعمل، ولهذا جاوز السلف هذا الانحراف لغير اليهود والنصارى لمن شابههم في مسالكهم، فقالوا: إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبَّادنا ففيه شبهٌ من النصارى (١).

وآيات الكتاب المبين تركز كثيرًا على حسد اليهود وبُخلهم ليس بالمال فقط بل بالعلم -وهو أهم- وهو المقصود الأكبر بالبخل في آية النساء {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله} وقد وصفهم الله بكتمان العلم في غير آية تارة بخلًا به، وتارة اعتياضًا عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوفًا أن يُحتج عليهم بما أظهروه منه (٢).

وإذا كانت تلك مصيبة، فالأعظم منها أن تصاب الأمة المسلمة بما أصيبت به الأمم الأخرى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله:

((وهذا قد يبتلى به طوائف من المنتسبين للعلم، فإنهم تارة يكتمون العلم بخلًا به، وكراهة لأن ينال غيرهم من الفضل ما نالوا، وتارة اعتياضًا عنه برئاسة أو مال، فيخاف من إظهاره انتفاء رئاسته أو نقص ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة، فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه، وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل)).


(١) ابن تيمية اقتضاء الصراط المستقيم (٦٧، ٦٨).
(٢) الاقتضاء ١/ ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>