كلَّ شهر، ومنها ما يتكرر كلَّ أسبوع، ومنها ما يلازم المسلم كل يوم، بل ربما تكرر في اليوم خمس مرات أو أزيد، ولو شاء المرءُ لعبد ربه مع كل نفس يخرج، قائمًا وقاعدًا وعلى جنب .. فالصلاة والصيام والذكر وتلاوة القرآن والصلة والإحسان، ونحوها من العبادات لا تحد بزمان أو مكان، أو هيئة محدودة للإنسان.
يا أخا الإسلام .. وكما تتعاظم العبادة في الأزمنة والأمكنة الفاضلة -فثمة أمر آخر يتعاظم فيه أجرُ العبادة، ويحتاج العباد إلى معرفته والعمل به- إنه تعظيم أمر الله في النفوس واستشعار لذة العبادة من خلال اليقين والإخلاص والمتابعة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
أجل إن العبادة يتعاظم أجرُها بقدر ما يوجد في قلب العابد من عبودية وإخلاص وتعظيم لأمر الله، ويقين لا يخالطه شك. فما معنى اليقين؟ وما أثره؟ وبم يُحصل عليه؟ وما مظاهر ضعفه؟
قال العالمون: اليقينُ طمأنينة القلب، واستقرارُ العلم فيه، ولهذا قالوا: ينتظم من اليقين أمران: علمُ القلب، وعملُ القلب، فإن العبد قد يعلم علمًا جازمًا بأمر، ومع هذا يكون في قلبه حركة واختلاج من العمل الذي يقتضيه ذلك العلم، كعلم العبد أن الله رب كلِّ شيء ومليكُه، ولا خالق غيره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهذا قد تصحبه الطمأنينة إلى الله والتوكلُ عليه (فيكون صاحبه من الموقنين) وقد لا يصحبه العملُ بذلك، إما لغفلة القلب من هذا العلم، وإما للخواطر التي تسنح في القلب كالاعتماد على الأسباب .. وإما لغير ذلك فلا يكون صاحبه مطمئنًا ولا مستيقنًا (١).