للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا أخا الإيمان! وإذا أردت أن تتبين أثر الإخلاص واليقين في الأعمال فتأمل حديث صاحب البطاقة، فقد روى الترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا: ((يُصاح برجلٍ من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فيُنشر له تسعة وتسعون سجلًا، كلُّ سجل منها مد البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربِّ، فيقال: أفلك عذرٌ أو حسنة؟ فيهاب الرجلُ، فيقول: لا، فيقال: بلى، إن لك عندنا حسنةً وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تُظلم، فتوضع السجلاتُ في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) (١).

قال ابن تيمية معلقًا على هذا الحديث: (والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجهٍ يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة.

ثم ذكر ابن تيمية حديث البغي التي سقت كلبًا فغفر الله لها. والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له، ثم قال: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغُفر لها، وإلا فليس كلُّ بغي سقت كلبًا يُغفر لها، فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال .. ) (٢) اهـ.

ويقول تلميذه ابن القيم رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل


(١) صحيح الجامع الصغير ٦/ ٣٤٣، فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد ص ٤٦.
(٢) منهاج السنة ٦/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>