للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالليل فرسانًا بالنهار، تتجافى جنوبهم عن المضاجع فلا تجف لهم دمعة، ولا تقعد بهم الدنايا عن طلب المنازل العليّة.

قيام الليل أيها المسلمون من أَبواب الخير، عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصومُ جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجل من جوف الليل)) قال؟ ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعلمون} (١).

عباد الله! وفي فضل التجافي ذكر ابن المبارك يرحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحامدون لله على كل حال، فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي ثانية: ستعلمون من أصحاب الكرم، ليقُم الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع {يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون}. قال: فيقومون فيسرحون إلى الجنة .. الحديث (٢).

أَيها المسلمون! حريٌّ بنا أن نجاهد أنفسنا على قيام الليل وهذا بعض فضله، وأن نتخذ من رمضان فرصة للقيام في سائر العام، وإن قصرت بكم الهمم في بعض الشهور والأيام عن قيام الليل والناس نيام، فدونكم هذه الليالي الفاضلة فلا تغلبنكم أنفسكم، ولا يصدنكم الشيطان عنها، فهي والله العز في الدنيا، والمغنم في الآخرة. وإليكم واحدًا من بشاراتها وثوابها، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلّى بالليل والناس نيام)) (٣).


(١) أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. انظر: تفسير القرطبي ١٤/ ١٠٠.
(٢) ذكره الثعلبي مرفوعًا عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها (تفسير القرطبي ١٤/ ١٠٢).
(٣) رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني: صحيح الترغيب ١/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>