للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأملوا عباد الله الليل إذا سجى، وادعوا ربكم خوفًا وطمعًا وسبحوه بكرة وأصيلا، واستمتعوا بالقرآن إذ يتلى، ولا يكن همكم نهاية الصلاة إذ تقضى، ولا يكن حديثكم ومحل اهتمامكم أقصّر الإمام في الصلاة أم وفّى، فإنّ من قام لله قانتًا واحتسب الأجر على الله قائمًا وراكعًا وساجدًا، تشاغل بذكر مولاه، وبكى على خطيئته وخاف ربَّه ورجاه، واستشعر اللذة في حال قيامه أو ركوعه أو دعاه.

أيها المسلمون! ليالي العشر مغنم يستحق التهنئة والبشرى، وفيها ليلة خير من ألف شهر كما أنزل العليُّ الأعلى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر} (١).

وتأمل يا أخا الإسلام كم في هذه الليلة من فضائل ومزايا، ففيها أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، والعمل فيها لمن وفقه الله وقبله خير من العمل في ألف شهر، وتلك رحمة من رحمات الله بهذه الأمة التي تقلّ أعمارها عن أعمار الأمم قبلها، فأعطيت هذه الليلة لتعويض قصر أعمارها.

وفيها يكثر تنزل الملائكة، وهم يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، والله أخبر عن بركة هذه الليلة فقال: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} (٢). ووصفت بأنها سلام أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو أذى كما قال مجاهد رحمه الله (٣).

أو يكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم به العبدُ من طاعة


(١) سورة القدر.
(٢) سورة الدخان، الآية: ٣.
(٣) تفسير ابن كثير ٤/ ٥٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>