للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عصر أو مصر، لا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر، بل لقد نص العالمون أن النفاق بعد عهد النبوة أشرُّ وقال حذيفة بن اليمان رَضي الله عنه: المنافقون الذين فيكم شرّ من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال: إن أولئك كانوا يُسرُّون نفاقهم، وإن هؤلاء يعلنون (١).

وذلك يدعونا جميعًا للحذر من النفاق والخوف على أنفسنا منه، وليس لأحدٍ أن يزكي نفسه بعد اتهام خيار الأمة لأنفسهم وخشيتهم من النفاق، ففي صحيح البخاري معلقًا قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه .. (٢).

تالله لقد قطع خوفُ النفاق قلوب السابقين الأولين، لعلمهم لدقِّهِ وجِلِّه، وتفاصيله وجُمَله، ساءت ظنونهم بنفوسهم حتى خشوا أن يكونوا من جملة المنافقين، قال عمرُ بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: يا حذيفة نشدتك بالله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم؟ قال: لا، ولا أزكي بعدك أحد (٣).

يا عبد الله كيف تأمن على نفسك وقد خاف هؤلاء، وكيف تزكيها وقد اتهمها من هو خيرٌ منك، إن من علائم الإيمان أن يتهم المرء نفسه، قال الحسن البصري رحمه الله: ما خاف النفاق إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق (٤).

إخوة الإيمان! لشدة خوف السلف من النفاق كانوا يتعوذون بالله منه في الصلاة، فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه إذا فرغ بعد التشهد -في الصلاة- يتعوذ بالله من


(١) الفريابي: صفة المنافق ٥٣، عن: عبد العزيز العبد اللطيف، مجلة البيان ٢٣.
(٢) انظر الفتح ١/ ١١١، وبه تعليق وتوضيح من ابن حجر.
(٣) ابن القيم: مدارج السالكين ١/ ٣٨٨.
(٤) أخرجه البخاري تعليقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>