للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله؟ ما تقول؟ قال: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا فقال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره حنظلة بحاله فقال -عليه الصلاة والسلام- ((والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم وفي طرِقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً)) (١).

إن الإسلام دين واقعي لا يُحرم التمتع بملاذ الدنيا، ولا يمنع من إيناس الناس في حدود ما أحل الله، ولا يعدُّ هذه الغفلة من النفاق ما دامت سريرة الإنسان وعلانيتة طيبة سليمة على حدٍّ سواء.

أيها المسلمون! أما الأمر الثاني الذي لا يُعد من النفاق فهو المداراة (والمداراة من أخلاق المؤمنين وهى خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة). ولا سيما مع من بهم فسق أو نفوز عن الحق، فتأليف قلوبهم، والتلطف لهم في المعاملة والانبساط إليهم، والإنكار عليهم بلطف. كل ذلك لا يُعد نفاقًا لكنه أسلوب من أساليب الدعوة، ونوع راقٍ في أدب المعاملة.

أما المداهنة فهي المنهي عنه، وهى من خصال المنافقين وشعب النفاق، وهي مجاراة الكافر أو الفاسقّ في باطلهم والانبساط معهم والرضا بحالهم دون الإنكار عليهم، والمداهنة باختصار: تركُ الدين لصلاح الدنيا (٢).


(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٧/ ٦٧.
(٢) انظر: الفتح لابن حجر ١٠/ ٥٢٨، ٤٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>