للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الكذب كذلك أحدُ شعب النفاق، وهو يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا، وهكذا بقية شعب النفاق العملية، قد نتساهل بها أحيانًا وهي طريق إلى الضلال والنفاق الأكبر، ألا فليحذر العاقل من شعب النفاق كلِّها، ويتهم نفسه كما اتهم السابقون أنفسهم، وليطيب أعماله كما طيبها السابقون، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ومن راءى راءى الله به، ومن سمّع سمّع الله به، واحذروا ذا الوجهين فهم شرارُ الخلق كما قال عليه الصلاة والسلام: ((تجدون شرَّ الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه)).

وهذا الصنيعُ إن كان في عرف المتأخرين دهاءً ولباقة ومرونةً، فهو في عرف السابقين كذبٌ ونفاق وخيانة.

قال القرطبي: ((إنما كان ذو الوجهين شرَّ الناس لأن حاله حالُ المنافق، إذ هو متعلقٌ بالباطل وبالكذب مدخلٌ للفساد بين الناس، وقال النووي -يرحمه الله: هو الذي يأتي كلَّ طائفةٍ بما يُرضيها، فيُظهر لها أنه منها، ومخالفٌ لضدها، وصنيعه نفاق، ومحض كذب)) (١).

إخوة الإسلام! مع كثرة النفاق وتشعب خصاله، وأهمية الحذر من الوقوع في شيء من ذلك، فأنبه إلى أمرين قد يُظنان من النفاق وليسا كذلك: الأمر الأول: ما يعرض للقلب -أحيانا- من ضعفٍ وغفلة وتغير واشتغال بالأهل والولد والمال بعد سماع الذكر والخشوع والإنابة، وهذا ما عرض للصحابة وخشوا أن يكون نفاقًا، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس نفاقًا، ففي صحيح مسلم عن حنظلة الأسيدي أنه مرَّ


(١) انظر: الفتح لابن حجر ١٠/ ٤٧٥، مجلة البيان ٢٦/ ٩/ ١٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>