والجور، ويُخلى بين الناس وعبوديتهم لرب العالمين. وليس الجهادُ الذي تُزهق به الأرواح بغير حق، أو تُدمر به الممتلكات بغير علم ودون فائدة، أو تُرفع به الرايات العميَّة، أو يكون ميدانًا للشهرة، أو تبرز فيه العصبيات والإقليميات الضيقة.
أيها المؤمنون، وفي فترات العز والقوة للمسلمين ترفع راياتُ الجهاد، ويبرز القادة المجاهدون، وكلما خيم الضعف في الأمة توارت رايات الجهاد وقلَّ المجاهدون. ومنذ أن بدأ محمدٌ صلى الله عليه وسلم جهاده للأعداء، وراية الجهاد مرفوعةٌ على أيدي خلفائه الراشدين من بعده حتى انساح الإسلام في مشرق الأرض ومغربها، وجاءت الدولة الأموية والعباسية، لتكملا مسيرة الفتح الإسلامي، وهكذا الدولة الأيوبية والمماليك وغيرها من دول الإسلام.
وحينها كان الإسلام عزيزًا، والعدوُّ مقهورًا، وأهل الكتاب الذين لا يدينون دين الحقِّ يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
ومع قوة المسلمين وغلبتهم وتحريرهم البلاد وقلوب العباد كان العدلُ قائمًا، والناس يدخلون في دين الله أفواجًا. ومن روائع عدل المسلمين ما تناقلته كتب التاريخ؛ أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين استُخلف وفدَ عليه قومٌ من أهل سمرقند ورفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، فكتب عمرُ إلى عامله أن ينصِّب لهم قاضيًا ينظرُ فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا، فنصب لهم جُمَيع ابن حاضر الباجي، فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سواء، فكره أهل سمرقند الحرب، وأقرُّوا المسلمين، فأقاموا بين أظهرهم. اهـ (١). ولا عجب أن يؤدي هذا العدلُ من المسلمين إلى انتشار