للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الغضب مادةٌ للشيطان تُجرِّئه، على فعل القبيح، وتجاوز الحدود، ولو سكن غضبُه لانتقدَ تصرُّفَه، ولما أقدم على ما أقدم عليه، إنه حالةُ ضعفٍ، تحكم الإنسانَ فيها عواطُفه، وتخف سيطرة عقله، ويغيب حلمُه، وكم أوقع الشيطان الغضبان في حبائل من السوء وأنواع من الشرِّ، ما كان له أن يقع فيها لو كان هادئ الطبع، مستعيذًا بالله من الغضب.

يقول الغزالي واصفًا حالة الغضبان: يتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخانٌ مظلم إلى الدماغ يستولي على معادن الفكر، وربما يتعدى إلى معادن الحسِّ فتظلم عينه حتى لا يرى بها، وتسود عليه الدنيا بأسرها، ويكون دماغه مثل الكهف الذي اضطرمت فيه نارٌ فاسودَّ وجهُه، وحمي مستقرُّه، وامتلأت بالدخان جوانبه، وربما تقوى نار الغضب فتغلي الرطوبة التي بها حياة القلب، فيموت صاحبه غيظًا ... إلى أن يقول: ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياءً من قبح صورته واستحالة خلقتِه، وقبحُ باطنه أعظم من قبح ظاهره (١).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (٦٠) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)} (٢).


(١) إحياء علوم الدين ٢/ ٦٤٣.
(٢) سورة يس: الآيات ٦٠ - ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>