للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتدريب النفس على الإخلاص ومجاهدتُها على التخفي عن أَعْيُنِ الناس فيما لا حاجة بالاطلاع عليه يعين على الإخلاص، وقد روي عن عبد الله بن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن -رحمهم الله - أن الحسن قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فَقِهَ الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به، ولقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا، لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (١).

والنظر في سير الأنبياء عليهم السلام، والصالحين المخلصين من بعدهم، ومعرفة عواقب الإخلاص في حياتهم يُعين كذلك على الإخلاص، وليس يخفى أن الإخلاص سبب لصرف السوء والفحشاء عن يوسف عليه السلام، وهذا من حفظ الله له: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (٢).

ومما يعين على سلوك الإخلاص أن يتصور المرءُ -وهو بَعْدُ في الدنيا - رقابةَ الله، ودقةَ الحساب يوم القيامة، وما أتعس العامل إذا وفد على الله بأعمال كثيرة، لكنها غير خالصة لله، فطرحت ثم طرح صاحبها في النار، وقيل لهؤلاء المرائين: اذهبوا إلى من كنتم تُراؤون في الدنيا فليشفعوا لكم .. وهناك يفرُّ المرء من أخيه، وأُمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وأنّى له أن يلتفت إلى من كان يرائيه؟

هذا فضلًا عن أن المرائي قد ينكشف في الدنيا ويفضح حيًّا، قبل أن تكون


(١) سورة الأعراف: الآية ٥٥.
(٢) سورة يوسف: الآية ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>