للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيم، كانت هزيمتهم حسّية ولم تكن معنوية، حتى إذا جاء صلاح الدين الأيوبي وَمَنْ قبله من القادة الصالحين، وجمع شملهم ووحد صفوفهم، وجد عندهم من القوة والعزيمة على الجهاد ما شجّع القادة على دحر الصليبين وإخراجهم من بلاد المسلمين خاسئين، ثم ابتليت الأمة بغزو التتر، وبلغ الكربُ بالمسلمين مبلغه، حتى قال أحدُ المؤرخين المعاصرين لها: «فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم، وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها؛ لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها» (١).

وكما وصف ابن الأثير طرفًا من أحداثها، فقد وصف شيخ الإسلام طرفًا آخر يشير إلى أن أحداث التتر في بلاد الشام وما حولها: «طبق الخافقين خبرُها، واستطار في جميع ديار الإسلام شررها، وأطلع فيها النفاقُ ناصية رأسه، وكشَّر فيها الكفرُ عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيها عمودُ الكتاب أن يجتَثَّ ويخترم، وحبلُ الإيمان أن ينقطع ويصطلم .. وفيها فرّ الرجل من أخيه وأمه وأبيه، إذا كان لكل امرئٍ منهم شأن يغنيه .. » إلى آخر ما جاء في وصف أحوال المسلمين في هذه الفترة العصيبة (٢).

ومع ذلك برز العلماء يُهدّئون ويسكنون الناس ويثبتونهم ويعدونهم ويبشرونهم بالنصر .. وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك قدحٌ معلّى .. حتى كشف الله الغمة عن المسلمين، بعد أن تحزَّبَ الناسُ وانقسموا إلى ثلاثة أحزاب: حزبٍ مجتهدٍ في نصر الدين، وحزبٍ خاذلٍ له، وآخر خارجٍ عن شريعة الإسلام.

عباد الله: ولم تكن فتنة التتر آخر البلايا والمحن على المسلمين، بل وافتهم


(١) ابن الأثير: «الكامل في التاريخ» ١٢/ ٣٥٨.
(٢) الفتاوى ٢٨/ ٤٢٧، ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>