للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشهدني قتال المشركين ليَرَينَّ اللهُ ما أصنع، فلما كان يومُ أحدٍ وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه - وأبرأُ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعدُ بنُ معاذ فقال: يا سعد بنَ معاذ! الجنةَ وربِّ النَّضْر إني أجدُ ريحها من دون أُحد، قال سعدٌ: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع (١)، قال أنسٌ: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بسيف، أو طعنةً برمح، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أختُه ببنانه، قال أنس: كُنَّا نرى -أو نظن - أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (٢) إلى آخر الآية (٣).

إخوة الإسلام: وفي ظل ظروف المِحَنِ واللأُواء والشدائد يظهر دور العلماء، وتحتاج الأمة إلى أصوات المستيقنين المثبتين لقلوب الناس، والواعدين بنصر الله وفق سنن الله وعوامل النصر المشروعة.

أجل لقد مرت الأمةُ المسلمةُ بعواصفِ الردةِ، فكان أبو بكر لها. وطوفانِ المحنة فكان ابنُ حنبلٍ جبلها، ثم طارت في الأمة تيارات المذهبية والآراء والنحل الفاسدة، فتصدى العلماء لها وكشفوا عن زيفها وفساد معتقد أصحابها، وربما حملوا السلاح لمجاهدة أصحابها، ثم انساح الصليبيون في بلاد المسلمين واستولوا على مقدساتهم، وبرغم الهزائم التي لحقت بهم، فلم تلحق الهزيمة قلوبهم، ولم تتخلخل قناعاتهم، هزموا في ميدان المعركة، لكنهم لم ينهزموا في


(١) سواء أكان المقصود بقول سعد: ما استطعت أن أصفَ كلَّ ما عمل، أو: ما استطعت أن أقدم إقدامه. «الفتح» ٦/ ٢٣.
(٢) سورة الأحزاب: الآية ٢٣.
(٣) ح ٢٨٠٥ الفتح ٦/ ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>