للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتخطيط وإنجاز وإنتاج دون ملل أو كلل، حتى يأتي نصرُ الله أو نهلك في سبيله -كل ذلك مارسه المؤمنون السابقون وتركوا لنا نماذج تُسلي وتُؤنس، وتقوي الهمم وتشحذُ العزائم.

وإليك نماذج من الشدّة والبأساء وقعت لخير القرون: لقد زُلزل المؤمنون في غزوة الأحزاب زلزالًا شديدًا وبلغت القلوب الحناجر، وزاغت الأبصار، كما قال ربُّنا: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (١).

وكيف لا يقع ذلك والمدينة لأول مرة في تاريخ الإسلام يطوقها ما يقرب من عشرة آلاف من قريش وأحلافها والمتحزبين معها، واليهود ينقضون عهدهم في المدينة، والمنافقون من داخل الصّف يرجفون بالمسلمين ويظنون بالله الظنونا؟ ! ومع ذلك كلِّه صدق المسلمون مع ربِّهم وجلى اللهُ موقفهم بقوله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (٢). ومن قبل وقع أُحد من الشدة والبلاء على الرسول والمؤمنين ما الله به عليم.

وفي قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (٣).

أخرج البخاري في «صحيحه» عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنسُ بن النَّضْرِ عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أولِ قتالٍ قاتلت المشركين، لئن اللهُ


(١) سورة الأحزاب: الآية ١٠، ١١.
(٢) سورة الأحزاب: الآية ٢٢.
(٣) سورة الأحزاب: الآية ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>