للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعذار ويُذكّرهم بمستقبل الأيام، إذ لا يملك هدايتهم، ويفوّض أمره إلى الله، ويتوكل عليه بعد أنْ هددوه بالقتل ويقول: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (١).

ويفيد بقيةُ السياق أن الله حفظه مما كادوا له، وأوقع بهم سوء العذاب: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} (٢).

أيها المؤمنون: ثم تُطوى صفحة الأيام على إثر هزيمة الباطل وأهله، وانتصار الحقِّ وأصحابه، ويتجدد الموقفُ بعد القرون في شخص أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يدافع المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -إذ خنقوه خنقًا شديدًا، ويقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ} (٣)؛ في قصة رواها أهل السير وأخرجها البخاري ومسلم. وقال علي رضي الله عنه: والله ليوم أبي بكر خير من مؤمن آل فرعون، إن ذلك رجلٌ كتم إيمانه، فأثنى الله عليه في كتابه، وهذا أبو بكر أظهر إيمانه وبذل ماله ودمه لله عز وجل وجل. خرجه الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول» (٤).

وما أشدَّ هذه الرواية أو مثيلاتها على الشّانئين لأبي بكر، والغالين في علي رضي الله عنهما، وكلاهما خيار، واللاحقُ يشهدُ بالفضل للسابق، وصدّيقُ الأُمةِ ملءُ السمعِ والبصر، وفضله وسبقُه وجهادُه لا ينكره إلا مكابرٌ أو حاقدٌ أو جاهلٌ.

أيها المؤمنون: وحين نواصل المسير في تتبع رجال القرآن، نجد نماذج للرجال


(١) سورة غافر: الآية ٤٤.
(٢) سورة غافر: الآية ٤٥.
(٣) سورة غافر: الآية ٢٨.
(٤) تفسير القرطبي ١٥/ ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>