أسرارُه وآثاره، ويتركان للأبناء والبنات فرص التعبير عن وجهات النظر، ثم يُعْقبان بالقبول على ما يُستحسن من رأي، ويبينان لهم ما في الرأي الآخر من أوجه نقصٍ وتقصير.
هذان الأبوان المربيان يخرج لهما -بإذن الله - أولادٌ ممارسون في الحياة، عارفون بالصواب والخطأ، قادرون على النقاش مع الآخرين، بل ولديهم أداةٌ لتمييز الضارِّ من النافع، وهم مؤهلون للقيادة أكثر من غيرهم.
الأبوان القسريان اللذان لا يتيحان أيَّ فرصةٍ للنقاش، ولا يقبلان أيَّ وجهة نظر ممن هو دونهم، ولو كانت أسلم من وجهة نظرهم، هؤلاء الآباءُ «العنتريون» يمكن أن يستسلم لهم الأولادُ فترة، لكنهم ربما انفجروا من شدتهم قبل تمييزهم، فتكونُ النتيجة مرةً، وربما خرج من تحت أيديهم أبناء غيرُ قادرين على مواجهة مصاعب الحياة، أو على تحمل المسؤولية بكفاءة عالية؛ لأن شخصياتهم لم تنمُ، ومواهبهم لم تستثمر فترة من الزمن.
وهكذا الشأن بالنسبة للمعلمين مع الطلاب، أو المسؤولين مع من تحت أيديهم في أي مهنة .. وأيًا كان حجمُ المسؤولية، إذ الفرق كبير بين من يُقدر للآخرين رأيهم، ويحترم ذواتهم، وينمي فيهم، حبَّ العلم أو العمل، ويزرع فيهم بذور الرقابة الذاتية، ويريبهم على الثقةِ، تربية السادة والقادة، لا تربية العبيد التابعين. وبين من شأنه الصلفُ والتعسفُ، وإصدارُ الأوامرِ، والمطالبةُ بسرعةِ الأداء، مهما كان نوعُ الأمر، وقدرةُ المأمور وظروفه.
إن هذا النوع الأخير من التربية لا يصنع قادةً ولا يُصلح مجتمعًا، ولا يؤهل أمة للريادة والقيادة. وما أحوجنا في بيوتنا، ومدارسنا، ومؤسساتنا ومجتمعنا وأمتنا، إلى إخراج قادةٍ يقتنعون بتربيتنا بالقدوة، وتبنى فيهم القدراتُ الذاتية على التفكير،