للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإيجابية في العطاء، لا أن نخرج نسخًا كربونية، لا تتحرك إلا حين تُحَرَّكُ، ولا تُعطي إلا بقدر ما أَخَذَتْ، وتظل دائمًا تنتظر الآخرين ليقدموا لها كلَّ ما تحتاج إليه.

أجل؛ إن تكريم بني آدم فطرة الله، وتفضيلُهُمْ منسجمٌ مع تقدير الله في خلقه، يقول جلَّ شأنه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (١).

والآيات التي تدعو للتفكير والتأمل والعمل والإنتاج كثيرة في كتاب الله، وفي المقابل فالله تعالى ينهى عن السلبية والجمود، والاتكال والقعود في أكثر من آيةٍ وأكثر من مثلٍ في كتابه، ويكفي أن تقف من ذلك على قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (٢).

وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، نماذج رائعة لطرائق عاليةٍ في التربية على يديه، وبمثل هذه التربية تخرجت نماذج فريدة في القيادة. فمصعبُ بنُ عمير رضي الله عنه -الشابُّ - يُبعث للمدينة لمهمةٍ كبرى، وبعد أن علَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ورباه، أعطاه الثقة في العمل والدعوة، وكان الشاب عند حسن الظنِّ به، فما لبث غير يسير حتى أدخل الله الإسلام على يديه إلى كل بيت من بيوت أهل المدينة، ثم تستمر الثقة به، ويسقط شهيدًا في أحد وهو يحمل راية المسلمين، ولا شك أن هناك من يكبره سنًا من المسلمين لكنها تربية القادة، وأسلوب الثقة التي يغرسها النبيُّ المعلُمِ في هؤلاء الشباب الذين أصبح من بقي منهم على قيد الحياة رجال المستقبل وأصحابَ الشأن.


(١) سورة الإسراء: الآية ٧٠.
(٢) سورة النحل: الآية ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>