للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستمر صلى الله عليه وسلم في إعطاء الثقة بأصحابه، ولو كانوا شبابًا أحداثًا حتى آخر لحظة من حياته، إذ أمر شابًا آخر بقيادة جيش فيه أمثال أبي بكر وعمر، وأبي عبيدة وطلحة وسعدٍ، وعبد الرحمن بن عوف وسواهم، وذلك لملاقاة الروم بالشام. ويشاء الله أن يتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيش أسامة معسكرٌ بالجرف من نواحي المدينة، فيصر الخليفة الأول على إنفاذ الجيش الذي عقد لواءه الرسولُ صلى الله عليه وسلم، ولو سُمِعَ من أفراد الجيش من يقترح تولية من هو أسن من أسامة. ولو قيل له: إن ظروف المدينة لا تسمح بخروج الجيش منها. إلا أن أبا بكر يُصر، ثم يشرح الله صدر المسلمين لما رآه، ويسير جيش أسامة، ويسير بإزائه الخليفة الصديق ماشيًا، وأسامة راكبًا، فيتحرج الشابُّ من صنيع الخليفة ويقول: يا أمير المؤمنين لتركبَنَّ أو لأنزلن، فيرد أبو بكر: والله لا تنزل، ووالله لا أَركب، ثم يستأذنه في إبقاء عمر إلى جانبه في المدينة (١). أيُّ تربية هذه خطها رسولُ الله، وقفّى أثرها صحابته من بعده (٢)، فأَنتجت جيلًا فَريدًا شهد العالم له بالتميز والصدق!

وقد اصطفاه ربُّهُ وأدبه فأحسن أدبه، وأوحى إليه أسلوب التعامل مع أصحابه فقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (٣).


(١) انظر البخاري مع الفتح ٨/ ١٥٢.
(٢) انظر موقف عمر مع ابن عباس رضي الله عنهما، الصحيح مع الفتح ٨/ ١٣٠.
(٣) سورة آل عمران: الآية ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>