للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشتراك الجميع في المسؤولية، ولا تتيحُ الفرصة لتعطيل أي طاقة.

أما الظلمُ والتسلط، وإغفالُ رأي الآخرين، وهدرُ كراماتهم، وسلبُ حقوقهم، واعتبار الريبة محل الثقة، وتعطيل الطاقات، وفشو الأنانيات فذلك معجلٌ بالنهاية، مؤذن بالزوال.

وهنا قاعدةٌ نقلها وقررها شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - وهي جديرةٌ بالتأمل، إذ يقول: وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم. ثم قال: ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلَةَ وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام (١).

وهذا الكلام النظري الذي ساقهُ ابن تيميَّة في آثار العدل والظلم، يُصدقه الواقعُ العملي للدول قديمًا وحديثًا، فكم من دولة حكمت بالحديد والنار، وظلم الناسِ وأهدرت كراماتهم وسلبت حقوقهم، ثمَّ لم تلبث هذه الدول الظالمة أن تهاوتْ عروشُها، وأصبحت عبرة للمعتدين! والعكس بالعكس.

إخوة الإيمان: إن الإسلام سابقٌ في تقرير هذه المعاني الكريمة، حاثٌ على العدل، ناه عن التسلط والظلم، مقدرٌ للآراء، حافظ لكرامة بني الإنسان. ومن المؤسف أن يتخلف المسلمون عن تطبيق هذه المعاني أو بعضها، ثمّ تظهَرَ عند الدول الكافرةِ أنماط من العدل، وتقدير الكرامة، وحفظ الحقوق، واحترام الرأي فيظن بعض الجهلة ذلك تقصيرًا من الإسلام، والحقُّ أنه من تخلف المسلمينَ وتقصيرهم، وفوق ما سلف من نصوص تؤكد عناية الإسلام بهذا الجانب، فيكفي


(١) الفتاوى ٢٨/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>