وتوجيهاته أن إضاعة الوقت غبنٌ، كما أن عدم استثمار الصحة- فيما يعود على المرء بالنفع -غبن آخر، ومما يلفت النظر أنّ الكثير من الناس مغبونٌ في هاتين النعمتين؛ كذا قال الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم:«نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ».
ولهذا وغيره فطن العارفون لأهمية الوقت، وسارت حياتُهم وانتهت بجلائل الأعمال، حتى إذا رحل أحدهم عن هذه الحياة عجب الناس كيف قاموا بهذه الأعمال كلها، وكيف خلَّفوا هذا التراث الضخم من العمل والعلم، والإنجاز والإنتاج، والدعوة والإحسان، والصلة والصلاة، والذكر وتلاوة القرآن، ونفعِ الخلق وإرضاء الخالق.
إنه شعورٌ بالمسؤولية أولًا .. يتبعه همةٌ عالية، تذلل الصعاب وتقهر النفس عن شهواتها الدنيئة، وتحجبها عن سفاسف الأمور، وتطوعها لاستثمار الأوقات.
وقد استشعر هؤلاء العارفون قيمة الزمن، فقال أحدهم: إضاعةُ الوقت أشدُّ من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموتُ يقطعك عن الدنيا وأهلها.
يا أخا الإسلام: هل فكرت أيَّ شيءٍ صنعتَ اليوم، وماذا ستعمل غدًا، وهل غَدُك أحسن من يومك. وهكذا حتى تلقى ربَّك، مطمئنًا لعمل الصالحات، واستثمار الأوقات.
وإليك نموذجًا من استثمار الوقت يشهد به العدول، يقول إبراهيمُ الحربي رحمه الله: لقد صحبتُ الإمام أحمدَ بن حنبَل عشرين سنةً صيفًا وشتاءً، وحرًا وبردًا، وليلًا ونهارًا، فما لقيته في يوم إلا وهو زائدٌ عليه بالأمس (١).
(١) الوجازة في استثمار الوقت والإجازة، مقبل العصمي ص ٢٥.