للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس دينًا والله المستعان، وأيُّ دينٍ، وأيُّ خيرٍ فيمن يرى محارم اللهُ تُنتهك وحدودَه تُضاع، ودينه يُترك، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يُرغب عنها وهو باردُ القلبِ ساكتُ اللسان؟ شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق، وهل بليةُ الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلُهم ورياساتُهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟ وخيارُهم المتحزّن المتلمظُ، ولو نُوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذّل، وجدَّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم، قد بُلوا في الدنيا بأعظم بليةٍ تكونُ وهم لا يشعرون، وهو موتُ القلوب، فإن القلب كلما كانت حياتُه أتمَّ كان غضبُه لله ورسوله أقوى، وانتصارهُ للدين أكمل (١).

عباد الله: وكيف لا يعلو شأنُ الأمرِ بالمعروف، وترتفعُ منزلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والله سبحانه وتعالى جعله شرطًا للتمكين في الأرض، وجعل القائمين به أهلًا للتمكين؛ قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (٢).

ترى ما مدى العناية بهذه الشعيرة في المناهج الدعويةِ القائمة؟ وما نصيبُ المحسوبين على الدعوة من المساهمة والقيامِ بهذا الواجب العظيم؟

على أن مما ينبغي أن يدرك أن الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد عاطفةٍ تثور ثم تخبو، ولا مجرد حماسٍ طارئٍ لمنكر ولفترة معينة ثم يُنسى.

بل الأمر جدٌّ وجهاد، ومواصلةٌ واحتساب، وطولُ نفسٍ وتفكيرٌ في المنكر وجذوره، وكيف يُستصلح والبديلُ عنه، إلى غير ذلك من أمور تتطلب الحديث عن


(١) أعلام الموقعين ٢/ ١٧٦، ١٧٧.
(٢) سورة الحج، الآية: ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>