للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكلمُ كلَّ طبقةٍ بما يعلم أنه أليق بهم، وأنجع فيهم .. وكما لا ينبغي لمن يقومُ بهذا الأمر أن يعنف في مواضع الرفق، فكذلك لا ينبغي له أن يرفق في مواضع التعنيف، لئلا يُستخف قدرُه، ويُعصى أمره (١).

ومن الفقه في الإنكار أن يجتهد المنكرُ ألا يترتب على المنكرِ منكرٌ آخر - قد يكون أكبرَ أو أوسع انتشارًا من المنكر الأول، فما تحقق بذلك الهدفُ، ولا انتهى صاحبُ المنكر، ولا سلم غيرُه من آثارِ منكره. ومن هذا الفقهِ كان شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفتي بعدم الإنكار على التتار لشربهم الخمر؛ لأنهم إذا أفاقوا واستقامت لهم عقولُهم التفتوا إلى المسلمين يقتلون ويفسدون.

والمداراة من أخلاق المؤمنين وهي تلطفٌ في العبارة، واجتهادٌ في الأسلوب، لا تصل إلى المداهنة المنهي عنها، بل يُراعى في المداراة أحوال الناس ومنازلهم، وتقال لذوي الهيئات عثراتُهم ويُكتفى بالتعريض أحيانًا دون التبكيت، وبالتلميح دون التصريح، وهكذا يوصل إلى النفوس من أقرب الطرق إليها، إلا أن يكون صاحبُ المنكر مجاهرًا خبيثًا، فلا بد من فضحه وتحذير الناس من شرِّه؛ لأنهم قالوا: ليس لفاسق حرمة (٢).

إخوة الإسلام: والتدرج بالناس على طريق الخير، واستلالُ الشرِّ من نفوسهم - وإن طال الزمن - أدبٌ وأسلوب مارسه الصالحون، وأفلحوا. وهذا عبدُ الملك بن عمر بن عبد العزيز - رحمهما الله - يقول لأبيه: يا أبتِ! ما يمنعُك أن تمضي لما تريده من العدل؟ ! فوالله ما كنتُ أبالي لو غلَت بي وبك القدورُ في ذلك، قال:


(١) المنهاج للحليمي ٣/ ٢١٨، عن كتاب: المنتدى في الأمر بالمعروف، خالد السبت ص ١٩٦.
(٢) الخلال: ((الأمر بالمعروف)) ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>