للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا بُني إني إنما أُروِّض الناس رياضة الصَّعب، إني أريد أن أُحيي الأمر من العدلِ فأؤخر ذلك حتى أُخرج معه طمعًا من طمع الدنيا، فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه (١).

ومن الفقه في الإنكار: مراعاةُ ما يتعلق به الناسُ من أمور الدنيا، وعدمُ مصادمتهم، إذا لم يقعوا في الحرام، بل إن من التدرج بهم للخير بسطُ شيءٍ من الدنيا لهم، وإن كان الآمرُ زاهدًا فيها، وهذا عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله يقول: ما طاوعني الناسُ على ما أردتُ من الحقِّ حتى بسطتُ لهم من الدنيا شيئًا (٢).

عباد الله: وبالجملة فالآمر ينبغي أن يكون طبيبًا ماهرًا يوازنون بين الأمور في حال الإنكار أو السكوت، وكان العلماءُ يوازون بين سواء الأسلوب في الأمر والنهي، وبين السكوت على المنكرات، وينهون عن كليهما. يقول أحدُهم: فإيذاءُ المسلمِ محذورٌ، كما أن تقريره على المنكر محذور، وليس من العقلاء من يغسل الدم بالدم أو بالبول، ومن اجتنب محذور السكوتِ على المنكر، واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه، فقد غسل الدم بالبول على التحقيق (٣).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (٤).


(١) الخلال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ٨٢.
(٢) سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص ٨٨. عن كتاب ((المنتدى في الأمر بالمعروف)) خالد السبت ٢٥٦.
(٣) الغزالي: إحياء علوم الدين م ٣ جـ ٧ ص ٤٥.
(٤) سورة لقمان، الآيات: ١٧ - ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>