للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإليك نموذجًا لشهادة هذه الأمة على الأمم السابقة: أخرج البخاري في «صحيحه» عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يُدعى نوحٌ عليه السلام يوم القيامة فيقول: لبَّيك وسعديك يا رب، فيقول هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيُقال لأُمَّته: هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمتُه، فيشهدون أنه قد بلّغ.

ومن عدلِ أمةِ الإسلام عدلُها ونظرتُها لأخبار أهل الكتاب، فهي لا تردها جملة وتفصيلًا، ولا تقبلُ بها دون تمحيص، بل تذكرها للاستشهاد، لا للاعتقاد، وتصنفها على ثلاثة أقسام:

١ - إحداها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.

٢ - والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه، فذاك كذب.

٣ - والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « ... وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (١).

عبادَ الله: وتمتاز أمةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم على أمم اليهود والنصارى بصحة النقل، إذ النقلُ عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم مدتُه قريبة، والناقلون عنه أضعافُ أضعافِ من نقل دين المسيح عنه، وأضعافُ أضعافِ من اتصل به نقلُ دين موسى عليه السلام، فإن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ما زالوا كثيرين منتشرين في مشارق الأرض ومغاربها، وما زال فيهم من هو ظاهرٌ بالدين، منصورٌ على الأعداء بخلافِ بني إسرائيل، فإنهم زال ملكهُم في أثناء المدة لما خُرب بيتُ المقدسِ الخرابَ الأول بعد داود عليه السلامِ،


(١) الفتاوى: ١٣/ ٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>