الرحم الماسةِ ملتقىً تتشابك عنده الصِّلات وتُستوثق، ولكن على أساس من البرِّ والتقوى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(١).
فالتعارفُ لا التنافر، والمحبةُ لا التباغض، أساسُ العلائق بين البشر، ولكن قد تطرأُ عوائقُ تمنعُ هذا التعارفَ الواجبَ، وتلك المحبةَ المشروعة، وفي زُحامِ البشرِ على مواردِ الرزق، وفي اختلافهم على فهمِ الحق وتحديد الخيرِ قد يثور نزاعٌ ويقع صدامٌ، بيد أن هذه الأحداثَ الطارئةَ وتلك التصرفات المشينةَ لا ينبغي أن تُنسي الروابط المشروعة والحقوق الواجبة، ولا ينبغي أن تعصف بأوتاد المحبة وأواصرِ الأخوة.
إن المحبة طعمُ الحياة، وسرُّ سعادتها، ومساكينُ من فارقوا الدنيا ولم يتلذذوا بأطيبَ ما فيها من محبة الله والشوقِ إلى لقاه، ومحبةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على هداه، ومحبة المؤمنين والقيام لهم بحقوقها من الموالاة والنصرةِ وتقديم المعونة.
أيها المؤمنون: وجُبِلَ الناسُ - كلُّ الناسِ - على محبة المالِ والوالدِ والولد، والأهلِ والعشيرة، والقناطير المقنطرةِ من الذهب والفضةِ والخيلِ المسومةِ والأنعام والحرث، ولكن ذلك كلُّه متاعُ الحياة الدنيا والله عنده حسنُ المآب.
وما يبقى خيرٌ مما يفنى، والله يقول في وصف الباقي وصفاتِ أهله: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ