للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصل فطرتها، وبفقدها يهوي الإنسانُ وترتكسُ فطرتُه إلى منازل الجماد الذي لا يعي ولا يهتز.

أجل إن الرحمة كمالٌ في الطبيعة، وجمالٌ في الخلُق، يَرِقّ صاحبُها لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم وجنوحهم، فيترحم عليهم ويتمنى لهم الهداية والرحمة.

أما القسوة فتبلُّدٌ في الحس، وارتكاسٌ في الخُلُق، وغلظةٌ في الطبع، وغرور وكبرياء، لا يكاد تفكيرُ أصحاب هذا الطبع أن يتجاوز دوائرهم الضيقة، وذواتهم المريضة. بالرحمة أو خلافها يتميز الناسُ إلى رحماءَ يرحمهم الرحمان، وقساةِ قلوبٍ لهم الويلُ في الحياة وبعد الممات.

إخوة الإسلام: ويطيبُ الحديثُ عن الرحمة في كل آنٍ، ولكنه يجمل ويتأكد حين يستعلي الكبراء، ويتغطرس الأقوياء، حين تبقى فئةٌ من البشر تتحكم في الموارد والأرزاق، فتعطي وتشترط، وتمنع وتحاصر، تهدد بالحصار العسكري تارة، وبالحصار الاقتصادي أخرى، وبين هذا وذاك تعملُ بكل ما أوتيت من قوة في سبيل الحصارِ الفكري والتعبير الثقافي في المجتمع العالمي.

وحين تفقد الرحمةُ تموت آلافٌ من الأطفال حتف نفسها جوعًا أو عريًا - وتشردُ آلافٌ أخرى من البشر عن ديارها وتُباح لغيرها ظلمًا وعدوانًا، ويُعتدى على النساء بغيًا، بل وتبقر بطونُ الحوامل لاستخراج ما في أرحامها همجيةً وحقدًا!

أين هذا من شرع السماء وهدي الأنبياء عليهم السلام؟ ! والرحمةُ في أفقها الأعلى صفةٌ من صفات الربِّ تبارك وتعالى، وملائكةُ السماء تشهد بذلك وتتضرع إلى خالقها: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (١).


(١) سورة غافر، الآية: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>