للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصلاة والسلام: «الراحمون يرحمُهمُ الرحمانُ، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمُكم مَنْ في السماءِ .. » رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح بشواهده (١).

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما: «لا يرحم اللهُ من لا يرحمِ الناسَ» (٢).

إن نزع الرحمة من علائم الشقاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لا تنزعُ الرحمةُ إلا من شقيٍّ». حديث حسن أخرجه الترمذي وأبو داود (٣).

وإذا كانت القسوة في خُلق الأفراد دليلَ نقصٍ كبير، فهي في تاريخ الأمم دليلُ فسادٍ خطير، وهي علةُ الفسوق والفجور كما قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (٤).

أيها المسلم والمسلمة: إن أحدنا قد يهشُّ لأصدقائه حين يلقاهم، وبكل تأكيد يَرِقّ لأولاده وأحبائه حين يراهم، وتلك جوانبُ من الرحمة، بيد أن المفروض في المؤمن أن تكون دائرةُ رحمته أوسع، فهو يبدي بشاشتَه، ويظهر مودَّتَه واحترامه لعامة المسلمين (٥).

فالمؤمنون إخوة، وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة، وأقرب الناس منزلةً من الرسول صلى الله عليه وسلم أحاسنهم أخلاقًا، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير في من لا يؤلف.

بل شملت الرحمةُ في الإسلام الحيوان فضلًا عن الإنسان، فقد شكر اللهُ


(١) «جامع الأصول»: ٤/ ٥١٥.
(٢) السابق: ٥/ ٥١٦.
(٣) جامع الأصول: ٤/ ٥١٦.
(٤) سورة الحديد، الآية: ١٦.
(٥) الغزالي «خلق المسلم» ٢٥٥. وفي هذا الكتاب كلام جميل عن الرحمة، وقد استفدت منه في هذه الخطبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>