للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغفر للرجل أو المرأة البغي الذي سقي الكلب الذي كان يأكل الثرى من العطش. متفق عليه (١). ودخلت النار امرأةٌ بسبب هرَّةٍ ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. متفق عليه (٢).

وإذا انتكست الفطرُ سُحق الإنسانُ، وبات يحوم حول المزابل بحثًا عن طعامٍ أو شراب، أو شُلَّت أعضاؤه من ويلات الحروب وقنابل الدمار، هذا إن كان في عداد الأحياء. وباتت القططُ والكلابُ مدللةً إلى حَدِّ الترف في المطعم والمشرب والمسكن، وملازمةً لأصحابها في الحلّ أو الترحال، وأين هذا والرحمةُ في شريعة الإسلام؟ !

أيها المؤمنون: وليس من الرحمة في الإسلام تركُ الأدب لمن به حاجةٌ إليه، حتى وإن بدا فيه قسوةٌ على المؤدب ظاهرًا.

فقسا ليزدجروا ومن يكُ راحمًا ... فليقْسُ أحيانًا على من يرحمُ

وليس من الرحمةِ تعطيلُ حدود الله على من يقترف محظورًا يستحق العقاب: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٣).

ومن بلاغة القرآن أن عبّر عن قتل القصاص بالحياة لما في ذلك صيانة الأحياء واستمرار الحياة: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٤).

إن الرحمة يا عباد الله - في الإسلام - ليست حنانًا لا عقل معه، أو شفقةً تتنكر للعدلِ والنظام، كلا إنها عاطفةٌ متَّزنة ترعى الحقوق كلَّها وتقيم وزنًا


(١) جامع الأصول: ٤/ ٥٢٣.
(٢) جامع الأصول: ٤/ ٥٢٥.
(٣) سورة النور، الآية: ٢.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>