للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي موطِنٍ آخرَ من كتاب الله، قُدِّم الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر على عمود الإسلام الصلاة، وأعظم ركنٍ بعد الشهادتين، وعلى الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، فقال تعالى في وصف المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (١)، فما السرُّ؟ وما المعنى يا تُرى في تقديم الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر تارةً على الإيمان، وتارة على الصلاة والزكاة ونحوها؟

قال سماحةُ الشيخ ابنُ باز يحفظه الله: لا شك أنه قُدِّم لعظم الحاجة إليه، وشدةِ الضرورة إلى القيام به، ولأن بتحقيقه تصلح الأمةُ ويكثرُ فيها الخير، وتظهرُ فيها الفضائل، وتختفي فيها الرذائل ... وبإضاعته والقضاء عليه تكون الكوارثُ العظيمة، والشرورُ الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسو القلوبُ أو تموت ... ويُهضم الحقُّ، ويظهر صوتُ الباطل (٢).

أيها المسلمون: ولا غَرْوَ بتقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ هما شاملان للدعوة لكل خير، والتحذير من كل شر، وذلك أساسُ دعوة الرسل، ولأجله أنزلت الكتب. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر هو الذي أنزل الله به كتبه، وأرسل به رسله (٣).

وجاء النصُّ عليه في وصف رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (٤).

إنه الوثاق المتين الذي تتماسك به عرى الدين، وتحفظ به حرماتُ


(١) سورة التوبة، الآية: ٧١.
(٢) وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص ٤، نشر دار طليطلة.
(٣) الاستقامة: ٢/ ١٩٨، ١٩٩.
(٤) سورة الأعراف، الآية: ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>