للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مظاهر الغفلة تعلّقُ نفوسنا بتوافه الأمور، وعجزُها عن التعلق بالمعالي، وكسلُها عن جلائل الأعمال الصالحة.

نغفل عن الموتِ وسكرتهِ، وعن الحسابِ وشدتهِ، نغفل عن ذوات أنفسنا وما يصلحها أو يفسدها، وآن لنا أن نستيقظ لمخططات أعدائنا وما يريدونه لنا، وأنى لنا أن نكشف النفاق وتميّز المنافقين وتلك حالُنا.

أيها المؤمنون: وكثيرةٌ هي الأسباب الجالبةُ للغفلة، فأنفسُنا الأمَّارة بالسوء تدعونا للغفلة، وشياطين الجن يقعدون لنا بكلّ طريق من طرق الخير، وإبليسُ يعدنا ويَمُنَنِّينا ويخوِّفنا تارة، ويزيِّن لنا أخرى، ويأتينا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ولكنَّ الله لم يجعل له سلطانًا من فوقنا، وجعل الباب بيننا وبينه مفتوحًا، فمن استعاذ به أعاذه، ومن لاذ بحماه أجاره، ومن استعان به أعانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (١)، ويتلمس شياطينُ الإنس المراصد والوسائل التي بها يصدوننا عن ديننا، وتستحكم الغفلةُ في قلوبنا، ومن أبرز وسائلهم الفنُّ الرخيص، والرياضَةُ الفاتنة، وكم نسي المسلمون قضاياهم الكبرى بسبب هذه الوسائل الملهية الفاتنة؟ وكم غفلوا عن مخططات أعدائهم في سبيل الترويح عن أنفسهم - كما يقولون -.

أيها الناس: وأورثت الغفلةُ طول الأمل، فقست القلوب، وقلّ أثر المواعظ في النفوس، وكثرة الفسوقُ والفجور، ودونكم هذا التشخيص لهذا المرض فاعقلوه، يقول ابنُ قدامة يرحمه الله: واعلم أن السببَ في طول الأمل شيئان: أحدُهما: حبُّ الدنيا، والثاني: الجهل. أما حبُّ الدنيا فإن الإنسان إذا أنس بها


(١) سورة الحجر، الآية: ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>