للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبشهواتها ولذاتها ثقل على قلبهِ مفارقتُها، فامتنع قلبُه من الفكرِ في الموت الذي هو سببُ مفارقتها، وكل من كره شيئًا دفعه عن نفسه، والإنسان مشغولٌ بالأماني الباطلة، فيمنِّي نفسه أبدًا بما يوافق مراده من البقاء في الدنيا، وما يحتاج إليه من مال وأهل ومسكن، فيلهو بذلك عن الموت ولا يقدر قربه، فإذا خطر له الموتُ في بعض الأحوال، والحاجةُ للاستعداد له سوّف بذلك ووعد نفسه، وقال: الأيامُ بين يديك إلى أن تكبر ثم تتوب، وإذا كبر قال: إلى أن تصير شيخًا، وإن صار شيخًا قال: إلى أن يفرغ من بناء هذه الدار، وعمارة هذه الضيعة أو يرجع من هذه السفرة، فلا يزال يسوّف ويؤخر إلى أن تتخطفه المنيةُ في وقت لا يحتسبه، فتطول عند ذلك حسرته.

السبب الثاني: الجهل، وهو أن الإنسان يعوّل على شبابه ويستبعد قربَ الموت مع الشباب، ولو تفكَّر المسكين أن مشايخ بلده لو عُدُّوا لما كانوا عشرة؟ لأدرك أنهم إنما قَلُّوا؛ لأن الموت في الشباب أكثرُ، وإلى أن يموت شيخٌ قد يموت ألفُ صبي، وقد يغترُّ بصحته ولا يدري أن الموت يأتي فجأة، ولو تفكر أن الموت ليس له وقت مخصوص ولا يبعده الشباب أو تدفعه الصحة واكتمالُ القوى لَعظُمَ ذلك عنده واستعد للموت وما بعده (١).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (٢).


(١) مختصر منهاج القاصدين: ٣٦٧ بتصرف ص ١١٨ - ١٢٠.
(٢) سورة الأعراف، الآيتان: ٢٠٥، ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>