قف مع نفسك وقفةً صادقة، وتأمل في الدنيا وقصرها، وما في الآخرة من نعيم أو جحيم يطول أمدُه، ويشتد الفرحُ أو الحزنُ له ... ودعك من غرور الأماني، وتمثل موقفَ إبراهيم التميمي رحمه الله، قال سفيانُ بنُ عيينة رحمه الله قال إبراهيم التيمي:«مثَّلتُ نفسي في الجنة، آكلُ من ثمارها وأشربُ من أنهارها وأعانق أبكارَها، ثم مثَّلتُ نفسي في النار، آكلُ من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالجُ سلاسلها وأغلالها، فقلتُ لنفسي: أيَّ شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُرَدَّ إلى الدنيا، فأعمل صالحًا، قال: قلتُ: فأنت في الأمنية فاعملي»(١).
يا عبدَ الله: وحين يقتربُ شهرُ الصيام، ويتنافس الصالحون في الطاعات والقربات أدعوك - لتحفيز همتك للخير - إلى زيارات ثلاث، وما لم تستطع زيارتَه ببدنك فزره على الأقل بخيالك ومشاعرك.
- أما الموقعُ الأول: فهو المقابر، حيث القبور والموتى والرهبة والخشوع ... وحين تُسلِّم عليهم وتدعو لهم - سلهم قائلًا: ها نحن في أواخر شعبان، وننتظر شهر رمضان، فما أمانيكم لو عدتم إلى الدنيا هذه الأيام؟ ولا تنتظرْ منهم إجابة فإنك لا تُسمِعُ الموتى وما أنت بمسمعٍ من في القبور؟ ولكنَّ أحدًا منهم لو استطاع الإجابة لقال: أمَّا نحن فقد انقطع أملُنا في الرجوع إلى الدنيا ... ونحن الآن مرتهنون بما سبق وإن عملنا، وبما خلفنا من ولدٍ صالح، أو علم ينتفع به، أو صدقة جاريةٍ لنا.
ولكن، أنتم معاشر الأحياء، كم لله عليكم من فضل حين يبلغكم شهر الصيام والقيام فتصومون، وتقومون، وتتصدقون، وتذكرون، وتدعون، وتستغفرون،