فكرةً سماويةً يعلمون الناس بها، ولا مذهبًا أرضيًا يخضعون الناس لسلطانه، وخرجوا من أرضهم جهادًا في سبيل الله وحده، ولم يَخرجوا ليؤسسوا إمبراطوريةً عربيةً ينعمون ويرتعون في ظلها، ولم يُخرجوا الناس من حكمِ الروم والفرس إلى حكم العرب، وإنما أخرجوهم من عبودية البشر بعضهم لبعض إلى عبودية ربِّ البشر، عندئذ كان للعرب وجودٌ وقوةٌ وقيمةٌ، وقيادة وقوة ترهب، وسلطانٌ يمتد، وتسارع الناس إلى الدخول في دينهم وتحت حكمهم العادل، وامتدَّ ضياءُ الإسلام يطوي بساط الظلام.
عبادَ الله: وإذا قيل بالأمس: ما العربُ بغير الإسلام؟ ! أمكن القول اليوم وما العرب، بل وما المسلمون بغير الإسلام الحق؟ ! ويأتيك الجوابُ عاجلًا ودون تردد: لا شيء لا شيء، أجل وربي، إن العقيدة الحقة هي التي جعلت للعرب بالأمس شأنً يذكر، وهي التي يمكن أن تعيد لهم سلطانهم ودورهم في الأرض اليوم، وما أحوج الوجود إلى عقيدتهم الحقة - بها ينشرون العدل والخير، وبها تُطوى صفحاتُ الظلم والهضم، وبها تتساقط القوى الوهمية وتنتهي الشعاراتُ الخادعة، وحين يصدق المسلمون في عقيدتهم وتوجههم لخالقهم يكفيهم كيد الكائدين، ويدفع عنهم قوى الأرض مهما كان حجمُها ونوعُ قوتها ... فالذي دفع أصحاب الفيل وردّهم خاسئين وجعل كيدهم في تضليل، قادرٌ على دفع غيرهم من الأمم الكافرة الظالمة. ولم يكن أصحاب الفيل هم القوة الأولى ولا الأخيرة في هذا الكون ممن دمرهم الله وأهلكهم بظلمهم. ووفق سنة الله في الكون فسيظل الهلاكُ والتدمير لكل من عتى وتسلط وتكبر: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (١).