للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها، وكلما أخذ المرءُ منها بنصيبٍ أوفر، كان نصيبُه من الإيمان والجهاد أكبر، أجل، لقد جاء ذكرُ الجهاد في كتاب الله كثيرًا، وشملت آياتُه جهادَ الكفارِ، وجهادَ المنافقين، وجهادَ النفس، وجهادَ الشيطان، والجهادَ بالمال، وجهاد الحُجَّة والبيان، وكذا جاءت نصوصُ السنةِ النبوية مبيّنةً لما أُجمل في القرآن، وموضحةً فضلَ ومنازلَ المجاهدين.

ومما يلفت النظر، ويوسع مفهوم الجهاد في القرآن، أن واحدةً من آيات الجهاد نزلت في سورة مكية - أي قبل أن يفرض الجهادُ في المدينة. يقول تعالى في سورة الفرقان مخاطبًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم وآمرًا له بالجهاد من حين بعثه: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (٥١) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (١).

قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} يعني: بالقرآن، وقال ابنُ زيدٍ: بالإسلام، وقيل: بالسيف، وهذا فيه بُعْدٌ؛ لأن السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال - كذا نقل القرطبي، وقال في معنى {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} أي: لا يخالطه فتور (٢).

يا أخا الإسلام: وإليك مراتب الجهادِ، وسائل نفسك بأي قدرٍ أخذت منها، بل وكم نجحت أو غُلبت في شيءٍ منها.

قال ابنُ القيم رحمه الله: الجهادُ أربعُ مراتب: جهادُ النفس، وجهادُ الشيطان، وجهادُ الكفار، وجهادُ المنافقين، فجهادُ النفس أربعُ مراتب أيضًا:

الأولى: أن يُجاهدها على تَعلُّم الهدى ودينِ الحق الذي به سعادةُ المرءِ وفلاحُه في الدارين.


(١) سورة الفرقان، الآيتان: ٥١، ٥٢.
(٢) تفسير القرطبي ١٣/ ٥٨، ابن القيم: زاد المعاد ٣/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>