للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على جهاد العدوِّ في الخارج، فإنه ما لم يجاهدها لتفعلَ ما أمرت به، وتتركَ ما نُهيت عنه، لم يمكنه جهادُ عدوِّه في الخارج ... بل لا يمكنه الخروجُ لمنازلة العدو حتى

يجاهدَ نفسه على هذا الخروج (١).

عبادَ الله: ولا يتم الجهادُ إلا بالهجرة، ولا الهجرةُ والجهادُ إلا بالإيمان، والراجون رحمةَ الله هم القائمون بهذه الثلاث كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢).

وكما أن الإيمان فرضٌ على كل أحدٍ، ففرضٌ عليه هجرتان في كل وقت: هجرةٌ إلى الله عزّ وجلّ بالتوحيد، والإخلاص، والإنابة والتوكل، والخوف، والرجاء، والمحبة، والتوبة.

وهجرةٌ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة والانقياد لأمره والتصديق بخبره، وتقديم أمرِه وخبرِه على أمرِ غيرِه وخبره (٣).

وهكذا - إخوةَ الإيمان - يتسعُ مفهومُ الهجرةِ كما اتسع مفهومُ الجهاد - ويَفرضُ على كلِّ مسلم جهادُ نفسه في ذات الله، وجهادُ شيطانه، وهذا مما لا ينوب فيه أحدٌ عن أحد، فانظر - أيها العاقل - في نفسك، وقوِّمها في باب المجاهدة والهجرة، فإن وجدت خيرًا فاحمدِ الله؛ واسأل ربَّك الثبات والمزيد، وإن وجدتَ خلاف ذلك فتدارك نفسَك ما دام في الأمر مهلةٌ، وتُبْ مما يُثقل كاهلك يوم العرض على الله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ


(١) زاد المعاد: ٣/ ٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢١٨.
(٣) زاد المعاد: ٣/ ١١ - ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>