للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعدوُّ هنا يتسلل على مرأى منا، ويُفسد حين يُفسد بمحضِ رغبتنا وغلَبةِ شهواتنا وأهوائنا، وتلك من أعظم المصائب وأقسى المعارك.

نعم إن معركتنا مع الشيطان معركةٌ دائمةٌ متجددةٌ يتخذ فيها الشيطانُ كلَّ أنواع السلاح، ويحيط بالمرء من كافة الجهات، ويراوغه ويمنِّيه بكافةِ أنواع المغريات: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (١)، {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} (٢).

أيها المسلمون: ويملك الشيطانُ في معركته مع بني الإنسان عددًا من الجنود يستخدمهم في المعركة، وتختلط خيالتُهم بالرجَّالة، وهو حريصٌ على مشاركتهم في الأموال والأولاد لإفسادهم.

والشيطان يستنزلُ ويستفزُّ بصوته الداعي إلى المعصية كلَّ من استطاع وخدع، يقول تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} (٣).

إنها معركةٌ صاخبةٌ تُستخدم فيها الأصواتُ والخيلُ والرجل على طريقة المعارك والمبارزات، يُرسل فيها الصوتُ، فيُزعج الخصوم ويخرجهم من مراكزهم الحصينة، أو يستدرجهم للفخِّ المنصوب والمكيدة المدبرة، فإذا استدرجهم إلى العراء أخذتهم الخيلُ وأحاطت بهم الرجال، لكن هذه المعركة - مع شدتها - تهون على أهلِ الإيمان وعبادِ الله الصالحين، الذين يعرفون كيده، ولا يستجيبون لندائه وأصواته، ولا ينخدعون بوعوده، أولئك الذين


(١) سورة الأعراف، الآيتان: ١٦، ١٧.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٢٠.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>